السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول ربنا تبارك وتعالى فى سورة الأحقاف: (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ إِنَّمَا العِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّى أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَىْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لاَ يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِى القَوْمَ المُجْرِمِينَ) (الأحقاف:21،25).
ولم يعرف معظم المؤرخين وعلماء الآثار شيئا عن قوم عاد إلا ما أورد القرآن الكريم عنهم، حتى كانت سنة1984 م حين تم تزويد إحدى مركبات الفضاء بجهاز رادار له قدرة على اختراق التربة الجافة إلى عمق عشرات الأمتار فكشف عن العديد من البحيرات والمجارى المائية الجافة المدفونة تحت رمال الحزام الصحراوى الممتد من موريتانيا غربا إلى أواسط آسيا شرقا، وبتحليل الصور المأخوذة بواسطة تلك المركبة لجنوب الجزيرة العربية اتضح وجود أعداد من تلك الأودية والأنهار والبحيرات الجافة المطمورة بواسطة رمال الربع الخالى، كما اتضحت آثار طرق برية قديمة تؤدى إلى عديد من الأبنية المدفونة التى تمت نسبتها إلى آثار قوم عاد ولعاصمة ملكهم إرم. وقد اهتم معهد الدفع النفاث بولاية كاليفورنيا وهو جزء من معهد كاليفورنيا للتقنية بإعداد تقرير مطول عن نتائج دراسة تلك الصور، ويدعو التقرير فى ختامه كلا من الحكومات العربية ورجال الأعمال العرب إلى دعم عملية الكشف عن تلك الآثار التى لا يعرف الأثريون والمؤرخون شيئا عنها، على الرغم من أن اثنين من قدامى المؤرخين قد أوردا فى مدوناتهما أن كلا منهما قد زار أرض قوم عاد منفردا فى أواخر عهدها، وكانت المنطقة لاتزال عامرة بحضارة مادية زاهرة، الأنهار فيها متدفقة بالمياه، والبحيرات عامرة بالحياة، واليابسة مكسوة بالخضرة، وقوم عاد مستكبرون في الأرض، ويشكلون الحضارة السائدة في زمانهم قبل أن يهلكهم الله تعالى بكفرهم وشركهم. وكان أحد الزائرين هو بليني الكبير وهو من مؤرخي الحضارة الرومانية (عاش في الفترة من23م إلى79م تقريبا)، وكان الآخر هو بطليموس الإسكندرى الذي كان أمينا لمكتبة الإسكندرية (وعاش في الفترة من1.. م إلى.17م تقريبا). وقد قام بطليموس هذا برسم خارطة للمنطقة بأنهارها المتدفقة، وطرقها المتشعبة والتي تلتقي حول منطقة واسعة سماها باسم سوق عمان. وقد وصف بليني الكبير حضارة عاد بقوله: إنها لم يكن يدانيها في زمانها حضارة أخرى على وجه الأرض، وذلك فى ثرائها، ووفرة خيراتها، وقوتها المادية، حيث كانت على مفترق طرق التجارة بين كل من الصين والهند شرقا، وبلاد الشام وأوروبا غربا.
وكانت قبيلة عاد تصدر كلا من البخور والعطور والأخشاب والفواكه المجففة والذهب، والحرير، وغيرها إلى كل الدول من حولها.
وقد علق كثير من المتأخرين على كتابات كل من هذين المؤرخين واصفين إياهما بالأساطير والخرافات، لأنهم لم يستطيعوا تصور أن منطقة الربع الخالى كانت مليئة بالماء والحياة والعمران وهى من أكثر مناطق الأرض قحولة وجفافا اليوم .إن لم تكن أكثرها على الإطلاق!!
ولكن فى يناير سنة 1991م بدأت عمليات الكشف عن الآثار فى المنطقة التى حددتها الصور الفضائية، واستمر العمل بها حتى سنة1998م ثم توقف بسبب حرب الخليج، وتم استئنافه بعدها، وخلال هذه الفترة تم الإعلان عن اكتشاف قلعة ثمانية الأضلاع سميكة الجدران بأبراج فى زواياها قائمة على أعمدة ضخمة يصل ارتفاع الواحد منها إلى تسعة أمتار، ويصل قطره إلى ثلاثة أمتار ونسبت القلعة إلى مدينة إرم التى وصفها القرآن الكريم بقول ربنا تبارك وتعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ العِمَادِ الَّتِى لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِى البِلادِ( (الفجر:6_
.
وتوالى بعد ذلك نشر العديد من الكتب والمقالات والمواقع على شبكة المعلومات الدولية عن هذا الكشف الأثرى الفريد الذى يؤكد الحقيقة التاريخية عن قوم عاد، وأنهم كانوا فى نعمة من الله عظيمة ولكنهم بطروها ولم يشكروها فعاقبهم الله تعالى بـ (ريح فيها عذاب أليم) والدراسات على آثارهم تؤكد أنها طمرت بعاصفة رملية غير عادية.
وسبق القرآن الكريم بالإشارة إلى قوم عاد، وتحديد اسم نبى الله تعالى إليهم وهو هود عليه السلام، وسوصف موقفهم من دعوته، ووصف عقاب الله تعالى لهم بالتدمير الكامل بـ (ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شىء بأمر ربها).. بعد كل ما كانوا فيه من نعيم العيش ورغده، ومع عدم وجود أى ذكر لهذه الأمة أو لنبيها فى كتب الأقدمين فيه الرد الدافع ببطلان دعوى المدعين بأخذ القرآن الكريم قصصه عن تلك الكتب، كما أن فيه الشهادة التاريخية والعلمية بأن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون صناعة بشرية، بل هو كلام الله الخالق، الموحى به إلى خاتم أنبيائه، ورسله، والمحفوظ فى نفس لغة وحيه اللغة العربية على مدى أربعة عشر قرنا أو يزيد، والذى سوف يبقى محفوظا بحفظ الله ـ تعالى ـ إلى ما شاء الله، تحقيقا للوعد الإلهى المطلق الذى قطعه ربنا ـ تبارك وتعالى ـ على ذاته العلية فقال. عز من قائل
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9).
فالحمد لله على نعمة الإسلام، والحمد لله على نعمة القرآن، والحمد لله على بعثة خير الأنام صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلى يوم الدين.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
بقلم الدكتور. زغلول النجار
منقوله من موقع الجمعية الشرعية